في اليوم العالمي للمرأة: سوريات في العمل الإنساني لم تستطع الحرب قتل إرادتهن
بدخولها عامها الحادي عشر، تأثرت غالبية النساء السوريات من الحرب في سوريا. تعرضت عشرات الآلاف من النساء للاعتقال والتعذيب. قّتلت أكثر من ٢٨٥٠٠ أنثى في سوريا منذ آذار ٢٠١١. فمع مشاطرتها لجميع المخاطر التي واجهها الرجال، أُلقي على عاتق النساء مسؤوليات إضافية في إعالة الأسرة ومواجهة مصاعب اللجوء، وتحديات الفقر، والاستغلال. بالرغم كل هذه التحديات نجحت الكثير من السوريات في تحقيق نجاحات وابتكارات على مستوى العالم،، تمكن العديدات من تحويل واقعهن خلال الحرب إلى دافع للاجتهاد والنجاح، وبرزت منهن أسماء متعددة في المجالات كافة، أثبتن قدرة المرأة على الإبداع والنمو في ظل المحن، نشارك بعض نماذج النجاحات لسورييّات رائدات في العمل الإنساني والمساحات المدنيّة:
بيان صباغ:
تعرضت بيان للتهجير مع عائلتها وهي في سن السادسة عشر. عندما قدمت إلى تركيا عام 2013، لم تتوقع بيان أن يطول نزوحها. أجبرت بيان على الدراسة والعمل في آن واحد، عملت في متجر مفروشات ومن ثم متجر لبيع الألبسة. استطاعت من خلال عملها تعزيز مهاراتها في اللغة التركية والاندماج في المجتمع التركي. بعد معاناة كبيرة بسبب الإجراءات المعقّدة بحق الطلاب السوريين في تركيا و انقطاع دام سنتين ونصف عن التعليم حصلت بيان على الشهادة الثانوية وشهادة اللغة التركية من جامعة غازي عنتاب. على مدار عامين متتاليين لم تستطع بيان الالتحاق بالجامعة بسبب المعايير الصعبة للجامعات التركية، خلال تلك الفترة، تمكنت بيان من إتمام دورات في الإعلام والتعليق الصوتي وبدأت في العمل في مجال الإعلام. على التوازي كانت بيان تعمل كمتطوعة في تدريس اللغة التركية للطلاب السوريين. كما حصلت على شهادة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وبدأت تعطي بعض الدروس اللغة العربية للأتراك، استمرت بيان بالعمل في مجال الإعلام والتعليق الصوتي ومتطوعة في العديد من الأنشطة الخاصة باللاجئين والاندماج المجتمعي، وبعد ثلاث سنوات وخلافا لكل التوقعات استطاعت الحصول على مقعد في جامعة ماردين في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تقول بييان:
“كانت أشبه بالمعجزة لأنني حصلت على الفرع الذي كنت أرى نفسي فيه
بيان الأن مستمرة في العمل التطوعي فقد قامت مع بعض زملائها في الجامعة بتشكيل فريق (النهضة)، ومع بداية جائحة كورونا بالتفشي بدأت العمل في منظمة #بنيان كموظفة في قسم العلاقات الخارجية. تقوم بيان بتسليط الضوء على أزمة النزوح للسوريين من خلال تنظيم زيارات ميدانية للداخل السوري وتنسيق الانشطة للاطفال في المخيمات.
“العمل الميداني هو العمل الذي لا استطيع الاستغناء عنه لأن (من سمع ليس كمن رأى )”
جمانة هبرة:
لجمانة قصة تهجير مختلفة فهي لاجئة منذ عام 1982، خلال طفولتها شهدت أحداث مدينة حماه بعد قصفها وقتل معظم سكانها ومنهم والدها وأخاها. هجرت مع والدتها و٧ من اخوتها من مدينة حماه إلى تركيا هربا عبر القرى والبلدات مدة ٦ أشهر.
“تارة نختبى بالبيوت عند غرباء وتارة نمضيها بالعراء لانعلم أين نختبئ كانت سيارات الأمن تلاحقنا في كل مكان“
طالت معاناة جمانة مع عائلتها في دول اللجوء. فتنقلوا بين تركيا والعراق والأردن، نجحت جمانه في إكمال دراستها الجامعية في عمّان الأردن. كان لوقع تهجير جمانة المبكر دورا كبيرا في البدء في العمل الإنساني فقد أسست مركزا اجتماعيا للاطفال وللنساء ثم شاركت مع تسع نساء في تأسيس أول مؤسسة مجتمع مدني ( رابطة المرأة السورية) عام ٢٠٠٦. استمرت جمانة في العمل الإنساني لمساعدة السوريات، ومع بداية الحرب في سوريا كانت جمانة من أوائل العاملين على إغاثة اللاجئين السوريين الجدد.
هدف جمانة بناء حياة أفضل للمرأة، فهي تساهم من خلال عملها في منظمة دعم المرأة في تمكين المرأة السورية ، لتستطيع معالجة المشاكل ، وتتغلب على التحديات بطريقة تضمن كرامتها واستقلاليتها. تشغل جمانة اليوم منصب رئيسة مجلس إدارة اتحاد رعاية الأيتام في اسطنبول ورئيسة مجلس إدارة منظمة دعم للمرأة في غازي عنتاب
“حاربت المرأة الجهل والظلم الذي حل بها في فترات من التاريخ حتى وصلت الى أعلى المناصب”
مريم شمدين:
حين بداية الحرب في سوريا كانت مريم تنهي دراستها في الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة دمشق. كانت مريم تعمل كمسؤولة علاقات عامة في شبكة المرأة الديمقراطية في القامشلي حتى تعرضت للتهجير عام 2013 ومن ثم لجأت إلى تركيا وبعد معاناة كبيرة تم قبولها في جامعة غازي عنتاب وفي عام 2015 حصلت على درجة الماجستير في الاقتصاد القانوني. مريم تؤمن بأن الأعمال الإنسانية والمشاريع التنموية التي تقوم بها النساء السوريات سوف تبقى نموذجا للأجيال القادمة وسوف تخلد عبر التاريخ. على مدار الأعوام السابقة استمرت مريم في العمل على تقديم الخدمات الإنسانية المختلفة وقادت عملية التواصل مع الدول المانحة لإنشاء برامج تنموية مستدامة. منذ تعيينها كمديرة تنفيذية لمؤسسة القبعات البيضاء قامت مريم بتوسيع نشاطات المنظمة التي تعمل بها لتشمل مناطق جديدة في شمال شرق و غرب سوريا ومخيمات اللاجئين في إقليم كردستان العراق. كما قامت بتصميم وتنفيذ مشاريع تستهدف المجتمع المضيف بالإضافة للاجئين لتعزيز التماسك المجتمعي. تعتبر مريم الأثر الأكبر لعملها ضمن منظمة القبعات البيضاء هو توثيق وتسجيل حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي للناجيات داخل سوريا. كما تعمل بشكل دؤوب لتحقيق العادلة لضحايا العنف بمن فيهنّ الأسرى والمعتقلات.
“دعمنا للمرأة يأتي في سياق تقليل حجم الفجوة التي أنتجتها بعض سبل العيش والحياة في المجتمع السوري و المرتبطة بالثقافة المجتمعية والعادات والتقاليد والتي للأسف أفرزت منهجية التمييز بين المرأة والرجل “
ترى مريم أنه لا يمكن بناء دولة متماسكة مجتمعيا دون مشاركة النساء في القيادة وصناعة القرار ورسم الاستراتيجية،وهذا ما تم استنتاجه من تضحيات المرأة السورية في سبيل تحسين الشأن السوري في المجالات المتعددة وخاصة الإنساني الذي يعتبر بوابة تحقيق العدل والمساواة وصون الحقوق الخاصة لكافة فئات المجتمع.
نسرين الريش:
نسرين من أوائل الناشطات الحقوقيات في سوريا. منذ بداية الحرب في سوريا كانت نسرين في الصفوف الأولى تدافع عن حقوق المدنيين مما سبب بملاحقتها أمنيّا. وصل الخطر الجسدي على حياتها حتّى اضطرت للنزوح من مدينتها دير عطيّة. اضطّرت نسرين للنزوح أكثر من ١٢ مرّة وهي تتنقّل خفية بين البلدات والمدن في سوريا حتّى اضطرت إلى الخروج من سوريا عام ٢٠١٣“
“ قضيتي هي حقوق اللاجئين وتمكين المرأة السورية على مدى سنوات الحرب من خلال جميع المنصات المتاحة أحاول أن أكون صوتا لهم“
عد خروجها من سوريا لجأت نسرين إلى مدينة عرسال اللبنانية. وبعد معاناة كبيرة في مخيمات اللجوء في لبنان، أسست مع لاجئين سوريين و لاجئات سوريات منظمة “جنى وطن” بهدف العمل على تمكين السّوريين ليستطيعوا العودة وإعادة إعمار بلادهم.
شهدت نسرين أحداث عرسال الدامية و كنت شاهدة على كثير من الصعوبات التي واجهت اللاجئين السوريين، تم اعتقال نسرين في لبنان من قبل السلطات بحجّة عدم امتلاكها لصفة لاجئ رسميّة في لبنان حيث لا تعترف الدولة اللبنانية بحقوق اللاجئين. تعرضت نسرين لضغوطات أمنية كبيرة بسبب نشاطها في العمل الإنساني حتّى أًجبرت على مغادرة البلاد والنزوح مرّة أخرى إلى تركيا.
وهنا بدأت مرحلة جديدة في حياة نسرين مع اللجوء. تمّ تعيين نسرين كرئيسة مجلس الإدارة في مؤسسة جنى وطن وتسعى من خلال عملها على تعزيز مفاهيم وممارسات وقيم المواطنة وحماية حقوق الإنسان ، والدفاع عن قضايا الفتيات والنساء وضمان مشاركتهن الفاعلة في المجتمع، كما تنشط نسرين في دعم قضايا المحتجزين والمختفين قسراً والناجين من الاحتجاز. تصرّ نسرين على العودة لسوريا فور تحقيق العدالة الانتقاليّة في البلاد.
“قضيتي هي حقوق اللاجئين وتمكين المرأة السورية على مدى سنوات الحرب من خلال جميع المنصات المتاحة أحاول أن أكون صوتا لهم/ن”